Thursday, September 28, 2006

أصوات الزمن



الكاتب الأميركي اللاتيني إدواردو غاليانو:
الماضي مفتاح لفهم المستقبل




هذا الحوار ذو الأهمية الاستثنائية أجرته إيمي غودمان من موقع «ديموكراسي ناو» الإلكتروني المتخصص مع الكاتب الأميركي اللاتيني إدواردو غاليانو بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة بعنوان «أصوات الزمن» في ترجمتها الانجليزية عن دار متروبوليتان النيويوركية.


حيث يلقي الضوء على هذه المجموعة الجديدة وأسرار استعصائها على محاولات التصنيف، شأن معظم أعماله، ويتطرق إلى أسلوبه المميز وحرصه على مطاردة ما يسميه بلغة الشعور ـ التفكير وطقوس الكتابة عنده. وفيما يلي نص المقابلة:


* دعنا نبدأ الحوار انطلاقاً من قضية الهجرة كمدخل لمناقشة مجموعتك «أصوات الزمن». فيما تنظر من الجنوب إلى الولايات المتحدة في الشمال، كيف ترى قضية السور، قضية المعاملة التي يلقاها المهاجرون في ذلك البلد؟


ـ إنها قصة محزنة للغاية. قصة يومية محزنة، وإني لأتساءل عما إذا كان عصرنا سيتم تذكره باعتباره مرحلة مريعة من مراحل التاريخ البشري كانت النقود حرة فيها في الذهاب والعودة ثم الذهاب ثانية، لكن البشر لم يكونوا كذلك.


* لقد كتبت عن الهجرة في كتابك الجديد «أصوات الزمن».


ـ نعم، هناك بعض القصص في هذا الكتاب التي تدور حول الهجرة، أشير فيها إلى أنه لو طبقت القواعد والمعايير التي يعتمدها الأميركيون الآن لما كان بوسع كريستوفر كولومبوس أن يكتشف أميركا لأنه لم تكن لديه سمة دخول ولا حتى جواز سفر.


وما كان بوسع بيدرو الفاريز كابرال الهبوط على ساحل البرازيل لأنه كان سيحتجز في الحجر الصحي، أما هرنان كورتيز وفرانشيسكو بيزار فما كان بوسعهما أن يضعا أقدامهما على أرض المكسيك وبيرو لأنهما ليس لديهما تصاريح عمل، أما بيدرو دي الفارادو فكان سيطرد من غواتيمالا، وبيدرو دي فالديفيا ما كان له أن يدخل تشيلي لأنهما ليس لديهما دليل على حسن سيرهما وسلوكهما.


أما ركاب السفينة «ماي فلاور» فكانوا سيعادون إلى البحر بعيداً عن ساحل ما ساتشوستس لان حصة بلادهم من المهاجرين قد استنفدت.


* يدور جانب كبير من كتاباتك حول الذاكرة، وأنت تقول إن المشكلة الكبرى في أميركا اللاتينية هي فقدان الذاكرة. هل لك أن تحدثنا عن ذلك.


ـ نعم. إن التذكر محظور. وأنا لست عاشقاً للماضي، وعلى سبيل المثال فأنا زائر سيئ للمتاحف، لأنني أشعر بالضجر سريعاً، وأنا أفضل الحياة التي تضج بالحيوية في أيامنا هذه، ولكن ليست هناك حدود قائمة بين الماضي والحاضر.


حيث يتاح لك أن تزور الماضي مجدداً وتجعله ينبض بالحياة، وعندئذ يصبح مرآة جيدة ترى في صقالها نفسك، وتفهم ما أنت حياله. وربما يساعد الماضي في فهم وضعك الراهن، واقعك الحالي. وإذا لم تعرف من أين جئت فسيكون من الصعب للغاية أن تفهم إلى أين تمضي على وجه الدقة.


* أود الانتقال إلى الأسلوب الذي تكتب به. فأنت تتحدى التصنيف فيما يتعلق بنوعيات الكتب التي تقدمها للقارئ. فهي قصص في جانب منها، وفي جانب آخر منها هي تحليل سياسي.


ـ نعم.


* إنك لا تتبع خطاباً سردياً طويلاً، وإنما تنسج جنباً إلى جنب خيوطاً تدخل في نسيج قطعة محبوكة بعناية بالغة. كيف طورت هذه الأسلوب؟ لماذا قررت الكتابة به؟


ـ لم أقرر ذلك قط. إن كتبي هي التي تؤلفني. أقصد أنها تكتبني، ولذا فإنني لا أقرر أي شيء أبداً.


حسناً، لقد كنت أتطلع دائماً إلى لغة يمكن أن تدمج كل شيء منفصل على الصعيد الثقافي، وعلى سبيل المثال القلب والعقل. ولذا فقد كنت أتطلع إلى لغة تجمع بين الشعور والتفكير.


وهناك كلمة في اللغة الاسبانية تجمع بين هذين الأمرين، سمعتها منذ سنوات طويلة على ساحل كولومبيا. وأنا أعتقد أن من الانفصالات التي تجنبت الاندماج الكامل في الشرط الإنساني هذا الانفصال بين عواطفنا وأفكارنا.


وفي الانفصالات الأخرى، هناك على سبيل المثال الصحافيون العاملون في مجال الأدب الذين يقولون: هذه مقالة. هذه قصيدة. هذه رواية. وهذه.. لست أدري ماذا. وأنا لا أؤمن بالحدود والفواصل، لا أؤمن بها على الإطلاق.


* كيف تنغمس في مهنة الكتابة التي تمارسها في زمن بالغ الصعوبة ودافع لليأس تماماً كالزمن الذي نعيشه اليوم؟ كيف تصفي ذهنك؟ ما هو الطقس الذي تعتمد في هذا الصدد؟


هناك على سبيل المثال إيزابيل الليندي التي كتبت مقدمة أحدث طبعة من كتابك «عروق أميركا اللاتينية المفتوحة» التي تحدثت عن أنها تبدأ الكتابة في يوم بعينه من العام، في شهر يناير، إذا أردت الانطلاق في تأليف كتاب. فما الذي تفعله أنت؟


ـ لا، ليس لديَّ طقس محدد على الإطلاق، وقد تعلمت الكتابة حقاً من الموسيقى، وعلى وجه التحديد من موسيقى كوبي. كان يعزف على الطنبور في سنتياغو منذ سنوات عدة. وكان أداؤه سحراً خالصاً. كان عزفه رائعاً، حيث يعزف على الأرض لكن الهامه مستمد مباشرة من السماء. وكان بالغ الروعة إلى حد أنني ناشدته قائلاً: «أرجوك، امنحني سرك!» فقال لي: «إنني أعزف عندما تبدأ يدي في التوق إلى العزف حد الألم».


* كان هذا هو سره؟


ـ نعم. وأنا أكتب عندما تتوق يدي إلى الكتابة حد الألم. أعني انني لا أصدر لنفسي أمراً، قائلاً: «الآن، لابد لك من الكتابة!» أو «لابد لك من الكتابة عن هذا الموضوع!». لا، إنني أترك الأمر تماماً. أنحيه بعيداً عني.


أتركه باعتباره شيئاً ينمو بداخلي. وهو عمل كادح. وكل قصة من هذه القصص التي يضمها كتاب «أصوات الزمن» تعكس الكثير من الكتابة، وبعضها لها عشرون أو ثلاثون أو أربعون صيغة تكتب بها قبل أن يتم نشرها. وهو شيء شاق وصعب بالنسبة لي.


* لو أنك أتيح لك القيام بجولة في أرجاء الولايات المتحدة لإيصال رسالة إلى الشعب الأميركي. فما هو الدور الذي يتعين على الشعب الأميركي القيام به في العالم اليوم في تميز عن الإدارة الأميركية؟


ـ أتمنى أن يصغوا إلى أصوات أخرى. ولسوف يساعد في ذلك أن يتفهموا أن العالم أكثر كثيراً من الولايات المتحدة. أقصد أن الولايات المتحدة بلد مهم للغاية حقاً. وأنا من بلد صغير، ومعظم الناس لا يعرفون أين تقع أورغواي. ولكننا جميعاً مهمون. ونحن جميعاً قادرون على أن نقول شيئاً يستحق الإصغاء إليه.


وعندما كنت أقيم في الولايات المتحدة في فترة كنت أقوم خلالها بالتدريس لمدة ثلاثة أشهر أو أربعة في إحدى الجامعات أو ما إلى ذلك، أدهشتني حقيقة أن العالم ليس موجوداً بالنسبة لأجهزة الإعلام الكبرى، وعندما تبث الأخبار فمعظم الناس لم يكونوا يدرون ما الذي تدور حوله.


وقد قال أحد أساتذتي وهو أمبروز بيرس قبل قرن من الزمان: «الحروب ليست سيئة للغاية، على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة. وبالنسبة لنا فإن الحروب ليست سيئة للغاية، فهي تعلمنا الجغرافيا».

0 Comments:

Post a Comment

<< Home