Monday, August 28, 2006

تاريخ إيران والإيرانيين




قام بتأليف هذا الكتاب البروفيسور جان بول رو أحد كبار أساتذة الجامعات الفرنسية، وهو مختص بتاريخ آسيا الوسطى والمغول والأتراك وتاريخ الأديان المقارنة، وله مؤلفات عديدة في المكتبة الفرنسية،




نذكر من بينها: تاريخ الأتراك (1984)، تيمورلنك (1991)، تاريخ الامبراطورية المغولية (1993)، آسيا الوسطى: التاريخ والحضارة (1997)، جنكيز خان والإمبراطورية المغولية (2002)، الخ.


وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف عن التاريخ القديم والمعاصر للشعوب الإيرانية، ولكنه يتوقف مطولاً عند الفترات القديمة والوسطى في التاريخ أكثر مما يتوقف عند الفترات الحديثة.


ومنذ البداية يقول المؤلف بان إيران كانت في السابق امبراطورية عظمى بل وأول إمبراطورية في التاريخ، وكانت تمتد على مساحات شاسعة وأكبر بكثير من حجم إيران الحالية، وكانت مئات الملايين تقريباً تتكلم اللغة الإيرانية،


وأما اليوم فلم يعد هناك إلا ثمانون أو تسعون مليوناً ممن يتحدث هذه اللغة، وهم موجودون أساساً في إيران الحالية وأفغانستان، ولكنهم موجودون أيضاً في أوزبكستان وبخاصة في مدينتي بخارى وسمرقند اللتين لعبتا دوراً كبيراً في تاريخ الإسلام.


كما أنه يوجد حوالي التسعة ملايين شخص ممن يتحدثون الفارسية في الباكستان، ولكن كل هذا قليل وزهيد بالقياس إلى عظمة إيران وانتشار لغتها وثقافتها في الأزمنة القديمة.ثم يخصص المؤلف فصلاً كاملاً للتحدث عن إيران في ظل الهيمنة العربية ويقول بما معناه:


لم يتح لأي دين ذي رسالة كونية أن ينتشر بمثل هذه السرعة ويفرض نفسه على الشعوب المفتوحة مثلما حصل للدين الإسلامي.


لم يحصل ذلك للمسيحية ولا للبوذية ولا لأي دين آخر، ولم يتح لأي لغة أن تتوصل إلى سمعة دولية مثلما أتيح للغة العربية وبهذه السرعة القصوى أيضاً.


لنتأمل في الوقائع قليلاً: بعد مئة سنة من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أو أكثر قليلاً كان العرب الناشئون في الصحراء قد أصبحوا في قلب أوروبا الغربية!. ولولا أن شارل مارثيل أوقف تقدمهم في معركة بواتييه (732)م لكانوا قد أصبحوا في باريس..


وكانوا قد أصبحوا في قلب آسيا الوسطى حيث سحقوا الصينيين على ضفاف أحد الأنهار عام (751)م، وبعد مئتي سنة من الهجرة يمكن القول بأن الحضارة الإسلامية كانت قد تشكلت تماماً على هيئة إمبراطورية مترامية الأطراف وتشعّ على العالم بكل أنوارها وثقافتها وفنونها وعلومها وعمارتها.


ثم يردف البروفيسور جان بول رو قائلاً: صحيح أن الشعوب المفتوحة لم تعتنق كلها الإسلام، وصحيح أنها لم تتبن كلها اللغة العربية، والدليل على ذلك بلاد البربر في المغرب وإيران ذاتها التي بعد أن تبنتها جزئياً رفضتها في نهاية المطاف وتمسكت بلغتها الأصلية.


ولكن على الرغم من كل ذلك فان الحضارة الإسلامية بلغتها العربية حققت نجاحاً منقطع النظير في سنوات معدودات، وربما كان السبب يعود إلى نواقص حكام هذه البلدان المفتوحة وكره شعوبهم لهم.ولكن لا ينبغي أن ننسى الدور الذي لعبه الإيرانيون في انتشار الحضارة العربية الإسلامية بعد اعتناقهم للإسلام.


من المعلوم ان الساسانيين قاموا بترجمات ضخمة للنصوص الإغريقية والهندية إلى الفارسية. ثم بعد الإسلام تمت ترجمة هذه الكتب إلى اللغة العربية ونقصد بها كتب أبو قراط، وافلاطون، وارسطو، واقليدس، وجالينوس، وبطليموس، وسواهم عديدين.


وقد قام بهذه الترجمات بشكل أساسي العلماء المتجمعون في مدينة نيسابور. فخلال بضعة عقود تمت أكبر وأجمل عملية نقل للمعرفة الكونية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية.وهنا يكمن سرّ نهضة العرب وإشعاع حضارة الإسلام في تلك العصور.


فقد كان المسلمون يحترمون العلم جداً آنذاك وكانوا يقبلون عليه بشكل منقطع النظير. وقد ساهمت جميع الشعوب الإسلامية في هذه العملية ينبغي العلم بأنه ليس العرب هم الذين كتبوا أول كتب النحو والقواعد للغتهم وإنما علماء من أصل إيراني كسيبويه مثلا!.


وفي زمن العباسيين كانت نيسابور تضم فريقا من العلماء ينتمون إلى كل الأصول «من فارسية، ويونانية، وهندية» وهم الذين انتقلوا إلى بغداد عندما أسس فيها المأمون بيت الحكمة عام 830 ميلادية، أو حواليها ولعب المسيحيون عندئذ دوراً كبيرا في ترجمة العلوم إلى اللغة العربية.


وهذا أكبر دليل على مدى تسامح الخلفاء المسلمين في ذلك الزمان وبخاصة المأمون. ومعلوم أن البطريرك المسيحي خاض مناظرة لاهوتيه مهمة مع الخليفة المهدي.


ومن أشهر المترجمين المسيحيين حنين بن إسحاق الذي مات عام 873 وكذلك ابنه اسحاق ابن حنين ومعلوم ان الفارابي، المعلم الثاني بعد ارسطو كما يقول العرب، كان تلميذا لأحد هؤلاء المترجمين المسيحيين.


ولم يكتف العرب والمسلمون عموما عندئذ بالترجمة وإنما أضافوا إلى العلوم اليونان وأبدعوا إبداعاً ذاتياً وفي ظل الحضارة العباسية خصوصا لم يكن هناك أي فرق بين مسلم من أصل عربي، أو فارسي، أو كردي.. الخ


ومعلوم حجم الدور الذي لعبه الفرس في ظل خلفاء بني العباس فقد كانوا يسيطرون على الوزارة في أحيان كثيرة من خلال عائلة البرمكي أو عائلات أخرى وكانوا يشكلون طبقة من كبار الأدباء، والشعراء، والعلماء، والفلاسفة.


وقد وصل الأمر بأحد المستشرقين إلى حد القول بأن الأدب العربي معظمه كان من صنع الفرس المستعربين! ولكن لم يكن هناك أي فرق بين عربي ومستعرب بشرط أن يكون مسلما بطبيعة الحال. والواقع أن ابن المقفع مؤسس النثر العربي تقريبا كان فارسياً.


وأما بشار بن برد فهو من كبار الشعراء العرب، وكان فارسياً أيضا بل ولم يكن يخف عقائده المزدكية ولذلك مات قتلا بتهمة الزندقة بعد زوال سيده وحاميه الخليفة المهدي. ويمكن أن نذكر أيضا أسم ابي نواس، وآخرين عديدين.


وحتى ألف ليلة وليلة، رائعة الآداب العربية في نظر الغرب على الأقل، هي ذات أصل إيراني صحيح ان الصبغة الإسلامية مخلوعة عليها ولكنها تغطي بالكاد العمق التراثي لإيران القديمة. والواقع ان أسماء أبطالها كشهرزاد.


وشهريار الملك، الخ هي إيرانية. لاريب في انها اغتنت بحكايات أخرى عربية أو إسلامية بالخالص ولكن أقدم حكاياتها ذات طابع إيراني واضح ثم يردف المؤلف قائلا: خلال الفترة الأولى من الهيمنة العربية لم يشهد العالم الإيراني كسوفا حقيقيا ولكنه انهك بسبب الجهود التي بذلها للمحافظة على شخصيته التاريخية وتراثه.


كما أنه وضع نفسه في خدمة الفاتحين أو الحاكمين الجدد: أي الخلفاء العرب. ثم شهد العنصر الفارسي في القرنين التاسع والعاشر انبعاثا سياسيا وثقافيا الأول كان مؤقتا أو عابراً والثاني كان دائما. نقصد بالأول هيمنة البويهيين على مقاليد السلطة حيث أصبح الخليفة العباسي مجرد رمز لا أكثر.


ينبغي العلم بأن العباسيين فقدوا منذ وصولهم إلى السلطة عدة أقاليم ضخمة من الإمبراطورية الإسلامية فاسبانيا وقعت في يد أعدائهم الأمويين وانشقت عنهم بل واصبحت منافسة لهم. وبعد ذلك بوقت قصير وقعت إفريقيا الشمالية في يد السلالات الحاكمة المحلية كالإدريسيين في المغرب الأقصى «1788م» والأغالبة في تونس «800م»


ثم انفصلت بعدئذ مصر وسوريا عن الخلافة العباسية في ظل الطولونيين والفاطميين على وجه الخصوص ولم يعد العباسيون يملكون إلا العراق وإيران ولكن إيران كانت آنذاك تمتد حتى نهر الهند والسند.


وبالتالي فقد أصبحت الإمبراطورية العباسية إيرانية جغرافيا بل وإيرانية ثقافياً إلى حد كبير. وهذا الشيء سوق تكون له انعكاسات لاحقة على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا. وبالتالي فلا يمكن ان نفهم الحاضر الا إذا قرأناه على ضوء الماضي. فالعلاقات بين الإيرانيين والعرب أكثر غنى وتعقيداً مما نظن.


*الكتاب: تاريخ إيران والإيرانيين منذ البداية وحتى يومنا هذا


*الناشر: فايار ـ باريس 2006


*الصفحات: 521 صفحة من القطع الكبير



Histoire de iran et des




Iraniens. Des origines a nos jours




Jean-paul roux




Fayard - paris2006




p.521

0 Comments:

Post a Comment

<< Home